أخبارأخبار عالمية

تمثال جامعة السربون صورة من صور الغزو التاريخي

بقلم / محمد محمود مهدي

في فرنسا وتحديدا في عام 1878م ، تم وضع تمثالا من الرخام للعالم الفرنسي شامبليون واضعا حذاءه على رأس الملك المصري تحتمس الثالث بمدخل جامعة السربون ؛التّمثال المُسيء والذي يمثل إهانة وازدراء للحضارة المصرية قد يعتبره البعض نوعا من الغيرة والعنصرية ولكن الموضوع أعمق وأشمل من ذلك .
في البداية أذكركم أن من أهداف غزاة التاريخ تحقير رموزنا التاريخية ومحاولة التعظيم من شأن رموزهم حتى ولو كان بالكذب والتضليل وهو ما حدث بالفعل من الجانب الفرنسي في محاولة صريحة للتقليل من شأن ملك مصري من أعظم ملوك الأرض في التاريخ وفي المقابل تعظيم شأن العالم الفرنسي شامبليون وإعطائه حجما أكبر مما يستحق .
فهيا بنا نبحر في أعماق التاريخ لنبحث عن الحقيقة
تحتمس الثّالث الملك المصري العبقري صاحب العقلية الفذة عسكريا وإداريا وأول ملك يحكم إمبراطورية في التاريخ امتدت جنوبا إلى أعالي نهر النيل وامتدت شمالا لتشمل جزر البحر المتوسط وامتدت شرقا لتشمل البلاد الفينيقية وبلاد ما بين النهرين وآشور وبابل وخيتا ، ويلقب تحتمس الثالث بأبو الإمبراطوريات وكذلك وتدرس خططه العسكرية في العديد من الكليات والمعاهد العسكرية في جميع أنحاء العالم خاصة تكتيكاته الحربية في موقعة مجدو الذي حارب فيها الحلف السوري (الحيثيين ) تحت إمرة أمير قادش ؛وهو أول من قام بتقسيم الجيش إلى قلب وجناحين، وابتكر حرب المداهمة وقد استعانت الإمبراطورية البريطانية بالعديد من خططه في معاركها، خاصة في معاركها ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
تلك نبذة بسيطة عن الملك المصري العظيم الذي أراد الفرنسيين تحقير شأنه بهذا التمثال الوضيع ؛ فهل يا ترى يستحق شامبليون كل هذا القدر من الضجيج ؟
في البداية أود أن أوضح أن العلماء العرب حاولوا فك رموز الكتابة المصرية القديمة قبل شامبليون بألف سنة واستطاعوا أن يتوصلوا إلى أن الكتابة المصرية القديمة على جدران المقابر والمعابد لها رموز تعبر عن أصوات ورموز أخرى تعبر معنى الكلمة بطريقة تصويرية ومن أمثال هؤلاء العلماء أيوب بن مسلمة وجابر بن حيان وذو النون المصري وأبو القاسم العراقي ، ولولا هؤلاء وإسهاماتهم ما استطاع أن يصل لتلك النتيجة فقد كان مكملا لإسهاماتهم ولولا الصدفة التي قادت الضابط الفرنسي بوشار للعثور على حجر رشيد أثناء وجود الفرنسيين في مصر ما وصل شامبليون لتلك النتيجة فقد كان هذا الحجر بمثابة المرحلة الأخيرة لفك رموز الكتابة المصرية القديمة فقد كتب عليه نصا بثلاث كتابات الهيروغليفية وقد كانت الخط الرسمي للدولة المصرية والهيراطيقية التي كانت معروفة بخط رجال الدين والكتابة اليونانية القديمة ؛ وقد ساعد ذلك شامبليون كثيرا في مقارنة الحروف اليونانية بالهيروغليفية والهيراطيقية ومن ثم فك رموز الكتابة المصرية القديمة.
وفي النهاية أتمنى أن يكون تحليلي البسيط قد لاقى قبولا واقناعا للقراء وأن تكون الرؤية اتضحت بأن تلك التمثال مثال حي للغزو التاريخي وأن المبالغة في تبجيل شامبليون وإغفال إسهامات من سبقوه غزوا تاريخيا وتزويرا صريحا للحقائق التاريخية .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى