محطات من حياة “نور الدين زنكي”
د.صالح العطوان الحيالي
الملك العادل أبو القاسم نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي وهو ابن عماد الدين بن اق سنقر ، يلقب بالملك العادل وله أيضا عدة القاب منها ناصر أمير المؤمنين، تقي الملوك ، ليث الإسلام، الخليفة الراشد ، كما لقب بنور الدين الشهيد ، هو الابن الثاني لعماد الدين زنكي ، ولد بتاريخ ٥١١هجرية ١١شباط ١١١٨ وتوفي بسبب المرض في ٥٦٩ هجرية ١٥ مايو ١١٧٤ قلعة دمشق سوريا .
السلطان العادل نور الدين محمود، ابن عماد الدين زنكي، مؤسس الدولة الزنكية، من أعظم قادة المسلمين الذين حاربوا الصليبيين في الشام، ووقفوا أمام الدولة الفاطمية في مصر، ووصفه المؤرخون بأنه أعدل وأعظم الحكام المسلمين بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز .
وكان نور الدين رحمه الله إذا حضر الحرب باشر القتال بنفسه و طلب الشهادة جاهدا ، لم ولم ير على ظهر فرس أشجع ولا أثبت منه في ذلك الزمان فقال له يوماً قطب الدين النيسابوري: بالله يا مولانا السلطان لا تخاطر بنفسك؛ فإنك لو قتلت قتل جميع من معك وأخذت البلاد، وفسد المسلمون؛ فقال له: اسكت يا قطب الدين فإن قولك إساءة أدب مع الله، ومن هو محمود؟ من كان يحفظ الدين والبلاد قبلى غير الذي لا إله إلا هو؟ ومن هو محمود؟ قال فبكى و بكي من كان حاضراً رحمه الله”…
وعندما التقت قواته في (حارم) بالصليبيين الذين كانوا يفوقونهم عُدة وعدداً، انفرد نور الدين رحمه الله تحت تل حارم، وسجد لربه عز وجل، ومرّغ وجهه، وتضرع وقال: “يا رب هؤلاء عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك، يا رب انصر دينك ولا تنصر محموداً، من هو محمود الكلب حتى ينصر؟”.
يقول أبو شامة: “يشير نور الدين هنا إلى أنك يا رب أن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود إن كان غير مستحق للنصر “.
و عند حصار دمياط من الصليبيين كان الوضع متوتراً و حرجا للمسلمين ، حتى رحل الإفرنج عنها ، وقد قيل إن أحد العلماء المقربين من نور الدين زنكي، رأى ليلة رحيل الإفرنج في منامه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال له: أَعْلِمْ نور الدين أن الإفرنج قد رحلوا عن دمياط في هذه الليلة، فقال: يا رسول الله، ربما لا يصدقني، فاذكر لي علامة يعرفها، فقال: قل له بعلامة ما سجدت على تل حارم وقلت: يا رب انصر دينك ولا تنصر محموداً، من هو محمود الكلب حتى يُنصر؟”.
قام العالم من نومه مبهوتاً يبحث عن الملك، حتى وجده يصلي بالمسجد، فتعرض له فسأله عن أمره، فيقول:”أخبرته بقصة المنام وذكرتُ له العلامة ، إلا أنني لم أذكر لفظة الكلب، فقال نور الدين: أذكر العلامة كلها، وألح علي في ذلك، فقلتها، فبكى رحمه الله، وصدق الرؤيا، فجاء الخبر بعد ذلك برحيل الإفرنج في تلك الليلة..
هكذا تصلح الرعية بصلاح ولاتها وقادتها، ونور الدين زنكي نموذج من كثيرين في هذه الأمة، ممن حياتهم أقرب إلى أن تكون دروساً وعبرا وأمثلة، للاقتداء والدراسة والتأمل.
رحم الله الإمام العادل نور الدين، ومنَّ على المسلمين بقادة من أمثاله.. آمين.
المصادر
ابن العديم . بغية الطلب في تاريخ حلب
د. سهيل زكار .الموسوعة الشاملة من تاريخ الحروب الصليبية
المقدسي. عيون الروضتين في اخبار الدولتين النورية والصلاحية
ابن خلكان وفيات الأعيان
ابن كثير البداية والنهاية
د. علي الصلابي الدولة الزنكية
تاريخ ابن خلدون
ابن الجوزي .المنتظم