مقالات

العشاء الأخير ومحاربة الأديان

بقلم: د. غادة محمد عبد الرحمن

يتضح جلياً أننا نعيش في عصر السمة الحاكمة فيه هي ازدراء الأديان، والإساءة للأنبياء، والرسل، فبعد سلسلة طويلة لم تتوقف حتى الآن من الإساءة للدين الإسلامي، ورسولنا الكريم ﷺ، فوجئنا منذ أيام قليلة بإساءة جديدة، ولكن وجهت هذه المرة لسيدنا عيسى بن مريم (عليه السلام)، وذلك خلال حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية لعام ٢٠٢٤م، المقامة في العاصمة الفرنسية باريس.

حيث كان من بين فقرات الحفل عرض تضمن محاكاة للوحة “العشاء الأخير”، للرسام الإيطالي “ليوناردو دافنشي” التي تجسد مشهد وجبة العشاء الأخيرة، التي تجمع على تناولها السيد المسيح مع تلاميذه من الحواريين، قبل القبض عليه وصلبه، وذلك وفقاً لمعتقدات الديانة المسيحية، وقد جاء هذا العرض بشكل ساخر ومسيء لسيدنا عيسى (عليه السلام)، ولمقامه الكريم، لاسيما أن من شارك في العرض مجموعة من الشواذ والمتحولين جنسياً، مما أدى إلى حدوث حالة من الغضب العالمي، وموجة عارمة من الانتقادات الحادة لهذا العرض.

فقد أدان الأزهر الشريف هذا العرض المسيئ لسيدنا عيسى (عليه السلام) ،ولمقام النبوة الرفيع، واصفاً إياه بالأسلوب الهمجي والطائش، الذي لا يحترم مشاعر المؤمنين بالأديان، والقيم الإنسانية، وأعلن عن رفضه التام والدائم لكل محاولات المساس بأي من أنبياء الله ورسله، كما أكد الأزهر على رفض ما يقارب من ملياري مسلم الإساءة لسيدنا عيسى (عليه السلام)، وذلك لما له من مكانة عظيمة لدى الإسلام والمسلمين، فقد قال الله تعالى فيه في كتابه العزيز {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}، كما حذر الأزهر من خطورة استغلال المناسبات الدولية للإساءة للأديان، والترويج للأمراض المجتمعية الهدّامة والمخزية كالشذوذ والتحول الجنسي.

ومن جانبها اعربت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر عن استيائها واستنكارها لما حمله العرض من إساءة بالغة لأحد المعتقدات الدينية الأساسية التي تقوم عليها المسيحية. هذا وقد قامت العديد من الجهات، والمؤسسات الدينية، والسياسية، حول العالم برفض هذا العرض، والتنديد به، كان من بينها الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية، ومجلس حكماء المسلمين، والطائفة الأنجليكانية في مصر، وغيرها من الهيئات والمؤسسات الدينية والسياسية الدولية.

هذا ولم يجد منظمو حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، وأمام ثورة الغضب العارمة التي اجتاحت العالم، مفر من تقديم اعتذار رسمي عن العرض المسيء، حيث أعلنت المتحدثة الرسمية باسم أولمبياد باريس 2024 آن ديكا في مؤتمر صحفي إنه بالتأكيد لم تكن هناك نية على الإطلاق لإظهار عدم الاحترام لأي طائفة دينية، وإن حفل الافتتاح حاول الاحتفاء بقيم التسامح، وقالت أنهم يعتقدون أن هذه الرغبة تحققت، وإذا شعر الناس بأي إساءة فهم يأسفوان لذلك حقاً.

والأسئلة التي تطرح نفسها بشدة، لماذا الإساءة المتكررة إلى الأديان والرسل، والاستخفاف بالقيم والمبادئ الدينية السامية، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من زعزعة المكانة العظيمة للأديان والرسل في النفوس، ومن ثم الاستهانة بتعاليم الدين وتوجيهاته، التي جاءت لتأديب السلوك الإنساني، وكبح جماح الشهوات، وتهذيبها، بما يحقق صالح الفرد والمجتمع، وبتالي يعطي الفرد لنفسه الحق في التصرف بحرية مطلقة، دون أي وازع ديني؟

ومن المستفيد من تحول عالمنا إلى عالم همجي، تحكمه الشهوات والغرائز، لا يحتكم لعقيدة، ولا يقتدي بنبي أو رسول. عالم تنتشر فيه الموبقات وما يعني ذلك من فساد المجتمع، وتحول الشذوذ الجنسي، وغيره من سلوكيات منبوذة إلى حرية شخصية وحق من حقوق الإنسان؟

وهل حان الوقت للإيمان بصدق بعض النظريات التي تتحدث عن وجود جهات عالمية تخطط لخلق عالم يسوده الإلحاد، لا يؤمن بإله، ولا يقتدي برسول، ولا يحتكم لعقيدة، أم إننا سنُتهم بالمبالغة والهوس بنظرية المؤامرة؟

وأخيراً، على العالم أجمع أن يتكاتف لمواجهة ازدراء الأديان، والإساءة للأنبياء والرسل، وتجريم هذا السلوك بشكل عالمي، وذلك للحفاظ على المكانة المقدسة للأنبياء والرسل، وما جاءوا به من تعاليم، أرسلها الله سبحانه وتعالى لصالح البشرية، وإلا سيتحول عالمنا إلى غابة تحكمها الشهوات الحيوانية، ويسودها الفساد بكل أشكاله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى