تقارير

خــطـة الــخـداع الإســتــراتــيجــي خلال حرب أكتوبر

متابعة ابراهيم الهنداوى

تعتبر خطة الخداع الاستراتيجي التي نفذتها القيادة المصرية قبل حرب أكتوبر مباشرة واحدة من الخطط فائقة الذكاء والروعة في تاريخ الحروب الحديثة.

حيث مكنت خطة الخداع من الإخلال بتوازن القوى غير المتكافئ ومنحت الجيش المصري المبادأة وعنصر المفاجأة حتى صار عدد قوات الجيش المصري التي عبرت شرق القناة خلال 24 ساعة فقط حوالي 90 ألف مقاتل.

ما كان ذلك ليصير لولا خطة الخداع التي إشتركت فيها جميع مؤسسات الدولة العسكرية والإستخباراتية والحكومية في تناغم فريد من نوعه جعل مصر تعبر القناة أمام أعين العالم من دون أن يتوقع أحد، لدرجة أن الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن لديها من المعلومات ما يؤكد للعدو الإسرائيلي حدوث الحرب الذي لم يتمكن هو الآخر من الجزم بحدوثها.

ووصفت إسرائيل بعد الحرب خطة الخداع المصرية بأنها أكبر نجاح أستراتيجي للمصريين في حرب أكتوبر.

كما إعترف ” هنرى كسنجر” وزير الخارجية الأمريكية، آن ذاك في كتابه” سنوات مضطربه” إبان الحرب بخداع مصر للولايات المتحدة وإسرائيل بشان الحرب.

وفي السطور التالية نرصد ونتابع ونحلل عرضا مبسطا لخطة الخداع الإستراتيجي قبل بدء ملحمة اكتوبر 1973.

اولا/ الــجـبــهــة الـداخـليـة..

شهد هذا المحور تنسيق جهود مختلف أجهزة الدولة العسكرية والمدنية وجرى فيه توفير مخزون كافى من القمح، وذلك لتعزيز آستعدادات الدولة للأمن الغذائي أثناء الحرب وحتى لا يفسر استيراد القمح قبل الحرب على أنه مؤشر لبدئها قربت الاجهزة الاستخبراتية معلومات عن تعرض مخزون القمح في الشتاء للأمطار ما نتج عن إفساده وتم بعدها إستيراد كميات ضخمة من القمح.

تهيئة المستشفيات بإخلاء عدد معين منها بدعوة تطهيرها من ميكروب التيتانوس، وذلك لإستيعاب جرح المقاتلين في الحرب.

ثانيا/ نـقـل الـمـقـاتـليـن والـمعـدات للـجـبهـة..

وكانت المعدات تشمل الدبابات والمدرعات والقوارب المطاطية المستخدمة في العبور وكل ما يلزم موجات الإقتحام المكلفة بتدمير خط بارليف بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الجنود المقاتلين، وكان على القيادة المصرية أن تنجز هذه المهمة من دون أن تلفت نظر إسرائيل بأنها تنوي الحرب، وأنجزت القيادة خطتها ببراعة وإعتمد على نقطتين..

* / استدعاء الاحتياطي و تسريحه وفق نسبة معينة..

حيث أعلن الجيش المصري عن تنفيذه لمناورات عسكرية مشتركة وكان يعتاد على تنفيذ المناورات في الخريف من مكان يلزم العدو الإسرائيلي على تعبئة قوته وتحمل تكلفة باهظة.

وخلال المناورات التي أعلن عنها الجيش المصري تم إستدعاء عشرات الآلاف من الجنود للمشاركة فيها من يوم

(1- 7) أكتوبر، لكن تم تسريح آلاف منهم ” نسبة صغيرة “

بعد ثلاثة أيام وبهذا إكتمل تجهيز الوحدات القتالية.

* وبعد ذلك فتح الجيش المصري باب العمرة للضباط وأعلن المشير /” أحمد اسماعيل” عن زيارة وزير دفاع رومانيا، وتم الإعلان في الصحف عن الزيارة.

ثالثا/ نـقـل الـمـعـدات للـجـبـهة..

وفيما يتعلق بالمعدات فتح نقل ورش التصليح للمدرعات والدبابات إلى الخطوط الأمامية، وتم نقل القوارب المطاطية من الإسكندرية إلى حلوان بطريقة توحي باللامبالاةوالإستهتار في تخزينها، ومن ثم نقلها للجبهة.

رابعا/ الـخـداع الإعـلامـي والسـيـاسي..

حولت القيادة وسائل الإعلام إلى نوافذ يمكن من خلالها قراءة المشهد العام وعززتها بالإنطباع بأن الجيش المصري لن يقدم على الهجوم حتى أن عملية الخداع إمتدت إلى نشاط الوزراء الذي إنصب على الشؤون الإقتصادية والإجتماعية ولم يركز على الحرب والتضخيم في وسائل الإعلام على صعوبة عبور القناة وإعلان الرئيس السادات أن عام 1972 هو عام الحسم، وخلال العام لم يحدث شيء.

كما تم توصيل معلومات للعدو تفيد بأن الجيش المصري سيقوم بعمل عسكري موسع في مايو وأغسطس 1973 مما ألزم إسرائيل بإجراء التعبئة مرتين والتوقف قبل الحرب عن أعمال الإستطلاع فضلا عن إختيار موعد الحرب الموافق 6 أكتوبر الذي صادف يوم عيد الغفران لليهود فضلا عن مثالية الملاحة في القناعة على صعيد المد والجزر وإنطلاق الحرب الساعة الثانية ظهرا وكان من المعتاد بدء الحرب مع أول ضوء في اليوم أو آخر ضوء.

خامسا / إنشاء ساتر ترابي على الضفة الغربية للقناة..

أنشأ الجيش المصري ساترا ترابيا على الضفة الغربية من القناة بزاوية ميل محددة تجعل من الصعب رؤية تحركات المقاتلين المصريين على خط الجبهة وصعوبة رصد حركة الدبابات والمدرعات، وأقنع العدو الإسرائيلي أن مصر تلجأ إلى خطة دفاعية وليس في نيتها الهجوم.

كما تم تحريك القوات المصرية في إتجاهات ثانوية خلال المناورة المفتعلة قبل الحرب، منها إتجاهات عرضية وإتجاهات من وإلى القناة مع التغيير المستمر في حجم وأوضاع القوات وحتى أماكن تمركز القوات البحرية داخل وخارج الحدود المصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى