أخبار عالمية

اليسار الفرنسي.. ضمير حي في مواجهة الانحياز الأوروبي للاحتلال الإسرائيلي

 

 

متابعة / محمد نجم الدين وهبى

 

«يتعين عليك في مرحلة ما أن تضرب بقبضتك على الطاولة وتقول للحكومة الإسرائيلية إن ما تفعله خطأ، وأن ذلك لا يتوافق مع أي من القرارات التي نصوّت عليها في الأمم المتحدة».

قائل العبارة السابقة هو أرنو لوغال، مستشار جان لو ميلانشون، رئيس حزب «فرنسا الأبية» أكبر أحزاب التحالف اليساري بفرنسا. وأطلق لوغال تلك العبارة قبل سنوات، وقبل اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الامر الذي يعكس، انحيازا تاريخيا لليسار الفرنسي، إلى الحق الفلسطيني، ونبذا للنهج الإسرائيلي القائم على الإبادة والتوسع والقمع.

وكان ميلانشون قد أحدث ضجة كبرى بفرنسا، بعيد هجوم 7 أكتوبر «طوفان الأقصى»، حيث رفض وصف رئيس «فرنسا الأبية» إطلاق صفة «إرهابيين» على حركة حماس وكتائب عز الدين القسام.

ولا تقتصر تلك الرؤية، على ميلانشون فقط، فقد ذهبت النائبة في «فرنسا الأبية» دانيال أوبونو إلى وصف المقاومة الفلسطينية في غزة بأنها: «مجموعة سياسية إسلامية.. تقاوم الاحتلال».

 

ضد الانحياز الأوروبي

في أعقاب جريمة الحرب التي ارتكبتها إسرائيل عندما قصفت مستشفى المعمداني بقطاع غزة، قال ميلانشون: «هل من الصعب إدانة جرائم الحرب التي يرتكبها نتنياهو؟ هل من الصعب إدانة العنصرية التي تمنعنا من رؤية الفلسطيني أولا كإنسان؟ أين أصحاب الضمائر الحية والأرواح الجميلة».

وتعرض ميلانشون، وأوبونو، وغيرهما من سياسيي اليسار الفرنسي إلى موجة هائلة من الاتهامات بـ«معاداة السامية» جاء مواقفهما المعلنة من إسرائيل والحق الفلسطيني.

في 22 أكتوبر 2023، زارت يائيل برون-بيفيه رئيسة البرلمان الفرنسي، إسرائيل، لتعلن أن «فرنسا تدعم إسرائيل بشكل كامل». وفي الوقت عينه، قاد ميلانشون مظاهرة شعبية حاشدة في باريس، ضمت عشرات الآلاف، من المعترضين على المقتلة الإسرائيلية بحق أهالي غزة.

وقال ميلانشون بعدما نشر مقطع فيديو للمظاهرة الحاشدة تضامنا مع الفلسطينيين: «هذه هي فرنسا، في هذه الأثناء تحل السيدة يائيل برون-بيفيه (رئيسة البرلمان) في تل أبيب، من أجل تشجيع المجزرة.. ليس باسم الشعب الفرنسي».

 

جذور تاريخية

على الرغم من انحياز اليسار الفرنسي لتأسيس إسرائيل في 1948 تحت ضغط «صورة الضحية»، إلا أن الوضع في ستينيات القرن الماضي اختلف تماما، وذلك بعد نحو 20 عاما من مراقبة يسار فرنسا للحروب والجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين والعرب.

وكتب الصحافي التونسي أحمد نظيف، في موقع «لوكال أجندا» تحليلا للجذور التاريخية لبداية انحياز اليسار الفرنسي إلى جانب الحق الفلسطيني، وقال: «شهدت ستينات القرن العشرين تبلور واقع عالمي وفلسطيني جديد ومختلف. ودخلت حركة التحرير الوطني الفلسطيني طورا جديدا من مسارها، بعيداً عن وصاية الأنظمة العربية، وأخذت تنظم نفسها عسكريا وسياسيا بشكل أكثر استقلالا، مع الحفاظ على روابط دعم مع الأنظمة التي كانت تُعتبر حينذاك ثورية كمصر وسوريا والعراق.

وكذلك بانتهاج أساليب نضال جديدة كانت متأثرة بالصراع التحريري الذي تخوضه الحركة الثورية الفيتنامية ضد الولايات المتحدة الأميركية. وفي مسار مواز كانت الثورة الثقافية الصينية قد انطلقت، وأصبحت حدثا تعبويا عالميا».

وأضاف: «أثرت هذه التحوّلات العالمية في اليسار الفرنسي، خصوصا مع بروز حركة يسارية جديدة راديكالية ذات توجهات ماوية، وتضعُ من بين أهدافها الأساسية القضاء على اليسار التحريفي سواء كان الاشتراكي الديمقراطي أو البيروقراطي السوفياتي، وهي النواة التنظيمية التي قادتْ انتفاضة ماي 1968 والتي تأسّس عليها لاحقاً في خريف 1968 تنظيم اليسار البروليتاري، الذي شَكّلَ الشباب اليهودي الماركسي أغلب عناصره وقياداته. من خلال المصريين عادل رفعتّ وبهجت النادي (اسمهما الحركي المشترك محمود حسين)، ارتبطَت المنظمة الثورية الوليدة منذ بداية تأسيسها بالثورة الفلسطينية وشارك عناصرها في دورات تدريبية في معسكرات الثورة بالأردن ولبنان أواخر الستينات، كما قادوا تظاهرات لدعم فلسطين في فرنسا، ودعموا إصدار مجلة «فدائيين» التي حررها رفعت والنادي ومولتها حركة فتح. كان لهذه المجلة تأثير كبير في إعادة صياغة رواية مختلفة عن السائد حول الصراع العربي الإسرائيلي. في عددها الأول، كانت صورة الغلاف لمقاتل ملثم بالكوفية ويصوب بندقيته الكلاشينكوف نحو السماء. وسعت المجلة إلى ربط الثورة الفلسطينية المسلحة مع سردية الثورة العالمية التي تأسست بعد الثورة الثقافية في الصين وتبنتها معظم تنظيمات اليسار الجديد في العالم».

وبحسب المقال: «دفعت هذه السياقات عشرات التروتسكيين والماويين الفرنسيين إلى الانخراط الفعلي في الثورة الفلسطينية كمقاتلين في صفوف مختلف الفصائل، ولقي عدد من الناشطين الفرنسيين حتفهم في معارك ضد الإسرائيليين في لبنان، من بينهم فرانسواز كيستمان التي استشهدت في 22 سبتمبر 1984 خلال هجوم مسلّح على السواحل الإسرائيلية تبنته حركة فتح، إلى جانب زوجها الفلسطيني فتحي خليل ضاهر.

اليسارية الفرنسية فرانسواز كيستمان شاركت في عملية فدائية ضد إسرائيل مع مقاتلي فتح، وقُتلت في 1984.

ودُفنت في مقبرة «شهداء شاتيلا» المجاورة لمخيم اللاجئين الفلسطينيين الذي يحمل نفس الاسم في بيروت. وكذلك نيكولا روبي، عضو الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الذي استشهَد عن عمر يناهز الـ25 عامًا، أثناء قصف إسرائيلي لمنطقة الفاكهاني في بيروت الغربية، في 17 جويلية 1981».

ويضيف كاتب المقال: «ورغم أن حرب 1973 قد وضعت حدا لحماس المنظمة الثورية الماوية، التي تراجع تأثيرها في دعم الثورة الفلسطينية، وقبلها عملية ميونخ التي نفّذها تنظيم أيلول الأسود في المدينة الأولمبية عام 1972، إلا أن جزءاً من اليسار الراديكالي حافظ على روابط مع التنظيمات الثورية الفلسطينية، لاسيما مجموعة العمل المباشر (AD) ذات التوجهات الراديكالية، والتي ارتبطت بجهاز العمليات الخارجية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة وديع حداد، ونفذت عمليات مسلحة ضد مصالح وأهداف إسرائيلية في فرنسا خلال عقد السبعينات، ضمن برنامج عمل جديد أطلقت عليه اسم «الجبهة المناهضة للإمبريالية»، ويربط بين النضالات التي تخوضها حركات التحرر في العالم الثالث (الأطراف) بالغرب (المركز) من خلال نقل المعركة إلى المراكز الغربية. ورغم أن هذا التوجه كان أقليا ومعتمدا كليا على العمل السري المسلح إلا أن تأثيره كان ذا حدّين فيما يتعلق بتضامن الرأي العام الفرنسي واليسار مع القضية الفلسطينية.

 

دعوة للاعتراف بدولة فلسطين

ودعا حزب فرنسا الأبية، اليساري، وكتلته في البرلمان الفرنسي، إلى الإقرار بمشروع قرار يدعو الحكومة الفرنسية للاعتراف رسميا بدولة فلسطين.

وعرجت مسودة المشروع، التي صاغتها كتل اليسار الفرنسي، على المآسي التاريخية التي عاشها الفلسطينيون، وذكرت بحقهم التاريخي في العيش بكرامة على أراضيهم.

وارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى 28663 شهيدا و68395 مصابا منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى