أدب

السفن التائهة

السُّفن التائِهة

جمال العامري 

 

هُنا حيث النّهارُ مُلغّم بالضّجيج
شُخوصٍ مَزْجَةَ الأطوارِ
وحُبٍّ فقير ، يُحدِّقُ في قسماتي الضّامِرة
أمشي حذوِ نفسي
على مركبِ الليل المهموم
أسيرُ بخيلاءٍ تُخالجني الرّهبة
يتناوشني وحشة المكان ،
أشقُّ عنان السماء
خائفاً من غُموضِ النّهارِ
وسطوة الجبابِرة
تسعة أعوام معروقة ،
سُلِخَتْ من عُمري
شيّعتني خارِج اسوار الزّمن
لم ألقَ فيها سِوى الألم ،
الأمل توارى ،
والغَبَشْ تلاشى ،
وتوارى خلف الغيوم
الليل مُعتكِر ومُمتلىء بالسّواد ،
والقمر في السماء
يُهدي السُّفنِ التائهة ،
الخريف لم يزل
جاثِماً فوق صدرِ الرّبيع
أغتال مواريث الطّبيعة
ينحت الغيداء بأنيابِه الباتِرة
المسامات تُدغدِغ أشرعتي المُتأرجِحة
دمعي ينوب عن الأنواء
ممزوجاً بندى الورد
يرسم في وجنتيّ خريطة الوجد ،
الغيثُ عمّ كل البلاد
إلا بلادي لم تزل
عِند تخوم البراري ،
تُغيم في الشتاء
يضرِمُها الرّدى ،والأقاحي جاذِرَةْ ،
الأشجار السّامِقة تعرّتْ
وذوَتْ أوراقها الوارِفةِ
تحت سقعَ الصّقيع
وذُبِلتْ أزهارها الفاغِية
أرهقني التُّجوال في مِعراج الدُّروبِ
التائهة خلف جِدار العُمر البائس
أمضي في الغِيم
أُسبحُ كالأعمى
الذي يغزو الهواء بيديه
نحو مُستقبلٍ مجهولٍ ،
غير آبه لعواء الذّئاب
والليالي القاتِرة ،
المسافات تنأى ، وتأنى الإقتراب ،
الأسى يعتكِفُ في حضني الأجَشْ
وفي وجنتي تستقرّ عبراتي
وتجهش اللحظات
من بُؤس الرثاثةِ عابِرة
هؤلاء الكادِحين ،
يفترشون الأرض ،
ويلتحفون السماء
يتأوهون من وطأةِ الزمن الجديب
سقطوا على حافة الطّريق
لم يشفع لهم الموت
من اكمال تاريخهم ، المُعفّر بالمعانآةِ
مُستسلِمين لتداعيات البرابِرة

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى