منوعات

حقيقة التنافس على ثروات الغاز شرق المتوسط: مصر محور تسييل الغاز شرق المتوسط وتصديره لأوروبا.. كيف؟

دكتور سَــــيْد غُنــــيْم
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
رئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع

17 يونيو 2022

أولاً: الناتو وأمن الطاقة – يونيو 2015

في يونيو 2015، خلال المؤتمر الخامس لمركز تدريب العمليات البحري للناتو الذي شاركت فيه في جزيرة كريت ياليونان، تم مناقشة أهمية احتياطي الغاز للاتحاد الأوروبي وعن تأمين مصادر الطاقة البحرية وقواعد استخدام القوة لحمايتها، بواسطة كل من بروفيسور أنتونيو فوسكولوس الباحث اليوناني في مجال الطاقة البترولية، وأستاذ الإقتصاد بجامعة جنوا لورينزو بروفيسور تشيانو ديبيي، وأستاذة القانون الدولي بجامعة ليون الفرنسية بروفيسور كيارا نيري وضحوا من خلال بيانات واتفاقيات دولية أن تكاليف الطاقة الشمسية باهظة للحصول علي أدني متطلبات للحياة، ومصر تعتبر أكبر دولة منتج للغاز في المنطقة والـ”15″ عالمياً، ولكنها قد لا تجد كفايتها فيما تنتجه، وطبقا للاتفاقية مع قبرص وإسرائيل ستستقبل مصر «يومياً» غازاً خاماً قيمته تفوق المليون وثلاثمائة ألف يورو لتسييله وتصديره لأوروبا عبر إسبانيا وربما إيطاليا.
حيث سيقلل تسييل غاز البحر المتوسط في مصر سعر المتر المكعب إلي «10» دولارات في الوقت الذي تشتريه أوروبا من روسيا بـ”18″ دولارا.. وسيحقق ذلك منافع عديدة لمصر أهمها استفادتها من أرباح تسييل الغاز علي أراضيها فتنتفع منه مباشرة كدولة مصنعة، من تشغيل العمالة المصرية، ومن وارد العملة الصعبة نظرا لتصديرها الغاز المسال لأوروبا، ومن ثم الدعم السياسي الأوروبي لها.. بجانب توصيف مصر بأنها دولة مصنعة ومصدرة للغاز الطبيعي وليست منتجة فقط.

وحسب ما علمت، فإن متر الغاز المسال = 600 متر مكعب من نفس الغاز المضخ فى الانابيب، وهو يعني أمرين حسب ما فهمت:
الأول: أن سعر الـ 10 دولار للمتر المكعب هو المتر الذي يتم ضخه عبر الأنابيب وليس المسال.
الثاني: أن حجم الغاز المسال في مصر ليس هو حجم الغاز المستلم في أوروبا ولكنه يعادل قدره 600 مرة .
بمعنى أن عندما تصدر مصر مليار متر مكعب غاز مسال فإن أوروبا تستلمه 600 مليار متر مكعب غاز عبر الأنابيب.

ثانياً: بدء إعادة ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط 2015 – 2016

مع نهاية عام 2015 وخلال عام 2016 بدأت كل من مصر واليونان وإسرائيل وقبرص إجراءات التشاور والتخطيط لترسيم الحدود البحرية بينها شرق المتوسط، بهدف تحديد التبعية القانونية لمصادر الطاقة في المنطقة، وهو ما أزعج تركيا لكونها تعتبر اليونان وقبرص قد تجاهلتا حقها في الثروات شرق المتوسط، وذلك طبقاً لترسيم تركيا للحدود البحرية شرق المتوسط. وفي أكتوبر 2020 وافقت الدول الأربع رسمياً على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بينها شرق المتوسط.

ثالثاً: إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط (EastMed Gas Forum) بداية عام 2019

وهو هيئة تأسست في يناير 2019 ويقع مقرها الرئيسي في العاصمة المصرية القاهرة، ويهدف المنتدى إلى إنشاء سوق غاز إقليمي في منطقة شرق المتوسط. ويأتي تأسيس المنتدى، على خلفية قمة عقدت في أكتوبر 2018، بجزيرة كريت اليونانية جمعت الرئيس القبرصي نيكوس أنستاسيادس، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء اليوناني أنطونيس ساماراس. في ذلك الوقت، تم الاتفاق على إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، يكون مقره القاهرة، ويضم الدول المنتجة والمستوردة للغاز ودول العبور بشرق المتوسط، والدول السبعة هي: مصر، اليونان، إسرائيل، الأردن، فلسطين، قبرص، إيطاليا. بهدف تنسيق السياسات الخاصة باستغلال الغاز الطبيعي بما يحقق المصالح المشتركة لدول المنطقة. كما هدف تأسيس المنتدى في ذلك الوقت، إلى تسريع عملية الاستفادة من الاحتياطيات الحالية والمستقبلية من الغاز بتلك الدول، خاصة وأن منطقة شرق المتوسط شهدت اكتشافات كبيرة لمصادر الطاقة التقليدية، خاصة الغاز الطبيعي.

رابعاً: إنشاء خطوط أنابيب الغاز

اتفقت إيطاليا واليونان وقبرص وإسرائيل على مشروع بناء خط أنابيب غاز من الحقول المكتشفة حديثًا يمتد لـ (1900) كيلومتر بعمق (3) كيلومترات في حوض شرق المتوسط، يمتد من إسرائيل عبر قبرص واليونان وإيطاليا إلى أوروبا. ومخطط أن تكون تكلفة هذا الخط 7.4 مليار دولار، ليوفر 10 مليار متر مكعب من الغاز، والذي يُعد غير كاف لأوروبا. وتحاول تركيا أن تعقد اتفاقية مع إسرائيل لمد خط أنابيب (بديل) للغاز الطبيعي من إسرائيل إلى أوروبا عبر تركيا يكون متصل بخط “ترك ستريم” الممتد من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا، وبما يوفر التكلفة ووقت وصول الغاز. إلا أن هذا المشروع كان يقابله عدة عوائق هامة في وقت سابق، منها: العلاقات الإسرائيلية القبرصية والعلاقات الإسرائيلية الإماراتية القوية والتي قد تتأثر بشدة حالة قيام إسرائيل بموافقة المنافس التركي في هذا الشأن، فضلاً عن أن إسرائيل نفسها كانت علاقتها متوترة للغاية مع تركيا.

خامساً: وقعت تركيا اتفاقية مع الحكومة الليبية وتسعى لتوقيع اتفاقية بحرية مع إسرائيل في نوفمبر 2019

أهداف تركيا في ليبيا:

1. اقتصادياً: ضمان حصة كبيرة من الثروات الاقتصادية شرق المتوسط، وذلك من خلال (الاعتراف الإقليمي والدولي بترسيم الحدود البحرية التركية وبحدود تركيا الاقتصادية معها، وبحصتها في الثروات التي تقرها تركيا لنفسها شرق المتوسط. – وعدم تجاهل تركيا إقليمياً وإشراكها في منتدى غاز شرق المتوسط.
2. أمنياً: تصدي تركيا للمنافسين الإقليميين أمنياً (مصر وروسيا والإمارات) داخل العمق الاستراتيجي الغربي لمصر.
3. سياسياً: دعم تنصيب واستمرار قيادات موالية لتركيا وحزب العدالة والتنمية التركي في ليبيا وتونس، وفي باقي الساحل والصحراء.
الخريطة التالية (تصور تركي)

سادساً: النزاع الاقتصادي على الثروات شرق المتوسط

الخريطة توضح الترسيم التركي للحدود البحرية وهو غير مُعترف به دولياً، ونجد البلوكات التركية باللون الأزرق، والبلوكات القبرصية باللون الأحمر، أما البلوكات المتنازع عليها (طبقاً لوجهة نظر تركيا) فباللون البنفسجي. وتشير تلك الخريطة الصادرة حديثاً إلى سبق قيام البحرية التركية يوم 23 فبراير 2018 باعتراض سفينة حفر إيطالية الجنسية والتي تنقب لصالح قبرص في بلوك رقم (3) القبرصي، ومؤخراً تقوم تركيا بالتنقيب عن الغاز على ما أظن بالبلوك رقم (1)، واللذان تعتبرهما تركيا داخل مياهها الإقتصادية، مع الوضع في الاعتبار أن تركيا تعتبر منطقة قبرص التركية المحتلة أراضي تركية.
وكما هو واضح، مصر ليست طرف في هذا النزاع ولا يخصها بشيئ، وذلك ارتباطاً بالترسيم التركي نفسه، ولو أنه غير معترف به دولياً. ولتفهم ما أقصد، فقط عليك تحديد المناطق المتنازع عليها في الخريطة والتي تعرض الفرضية التركية، وستجدها جميعاً لا تمس حدود المياه الإقتصادية المصرية والمودع ترسيمها بالأمم المتحدة.

ولتأكيد ما سبق، نجد الخريطة توضح الترسيم المصري القبرصي للحدود البحرية، وطبقاً لما هو متفق عليه دولياً ومودع بالأمم المتحدة.

سابعاً: المكاسب والخسائر لمصر وإسرائيل مع تركيا في المياه الاقتصادية شرق المتوسط

1. اتفاق الحكومتين التركية والليبية لا يؤثر على مصر، لكنه استحوذ على حوالي 3000 كيلومتر من الجزء البحري اليوناني. أي أن الخلاف بشأن الغاز هو بين تركيا واليونان.
2. يبدو نتيجة اقتصادية أفضل لإسرائيل ولكن ماذا عن المدى البعيد، هل هو أسوأ؟
3. لماذا وقعت إسرائيل اتفاقية مع قبرص وليس مع تركيا؟
4. لماذا وقعت مصر اتفاقية مع اليونان وليس مع تركيا؟

ثامناً: اللاعبون الإقليميون والدول المفتاح شرق المتوسط

في أكتوبر 2020 وافقت الدول الأربع مصر واليونان وإسرائيل وقبرص إجراءات التشاور والتخطيط لترسيم الحدود البحرية بينها شرق المتوسط، وأودعت خرائط التقسيم بالأمم المتحدة.

تاسعاً: الاستنتاجات

1. الخلاف الحقيقي بشأن ثروات الغاز شرق المتوسط هو بين تركيا واليونان وقبرص.. أما الخلاف التركي مع مصر فهو أمني في ليبيا وأيديولوجي بشأن دعم تركيا للإخوان المسلمين الساعين للسيطرة على الحكم في مصر، وليس هناك خلافاً على ترسيم الحدود البحرية أو ثروات الغاز بين البلدين، بل العكس.
2. حجم الغاز المنتظر تصديره من دول شرق المتوسط يرتبط بحجم الغاز المكتسف مطروح منه حجم الاستهلاك المحلي وذلك ارتباطاً بحجم سكان كل دولة، ولذا قد تصدر مصر أقل كمية لأوروبا مقارنة بدول أخرى أقل كثيراً منها في حجم السكان.
3. أهمية مصر الحقيقة في كونها تمتلك مسيلات للغاز الخام على أراضيها، مما يجعلها محور لتسييل وتصدير الغاز لأوروبا.
4. تسعى تركيا دائمًا للحفاظ على العلاقات مع مصر؛ كما تسعى للتعاون وتوقيع اتفاقيات مع مصر وإسرائيل في محاولة للانضمام لمنظمة غاز شرق المتوسط.
5. العلاقات التركية مع كل من مصر وإسرائيل شرق المتوسط ومع الإمارات والسعودية في الخليج العربي أفضل مما كانت عليه منذ عامين فقط، وذلك لعدة أسباب اقتصادية في الأساس لتركيا، ومنها محاولة تركيا إقناع مصر وإسرائيل بترسيم الحدود التركي الذي يعطي البلدين حصة أكبر في المياه الاقتصادية وليس اليوناني، وأيضاً محاولة تركية لإقناع إسرائيل بتمرير الغاز لأوروبا من خلالها.
6. سرعت الحرب الروسية الأوكرانية من تخطيط أوروبا للاعتماد على الغاز من دول شرق المتوسط والجزائر غرب المتوسط وقطر في منطقة الخليج العربي.
7. زيارة الرئيس البولندي للقاهرة ومقابلة نظيره المصري في نهاية مايو 2022 لمناقشة عدة نقاط في إطار المصالح المتبادلة ومنها تصدير الغاز شرق المتوسط لبولندا عبر مصر أتت بنتائجها بشأن احتياجات بولندا من الغاز.
8. زيارة أورسولا فون رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي لمصر ومقابلة الرئيس المصري منتصف يونيو 2022 لمناقشة المصالح المتبادلة ومنها توقيع اتفاقية على تصدير غاز شرق المتوسط عبر مصر إلى أوروبا ضمن بدائل الغاز الروسي تنفيذاً لم تم التوافق عليه مسبقاً منذ عام 2015، أتت أيضاً بنتائجها المرجوة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى