مقالات

الفرق بين اليهودية والصهيونية …. بقلم / محمد نجم الدين وهبى

 

 

بقلم / محمد نجم الدين وهبى

 
 
اليهودية في الأصل هي ديانة سماوية، وهي ديانة العبرانيين المنحدرين من سلالة إبراهيم عليه السلام، والمعروفين بالأسباط من بني إسرائيل الذين أرسل الله إليهم موسى بن عمران عليه السلام مؤيداً بالتوراة، واليهودية ديانة يبدو أنها منسوبة إلى يهوذا، أحد الأسباط أبناء يعقوب عليه السلام، وعممت على الشعب على سبيل التغليب، وقيل غير ذلك.
 
وقد نشأت اليهودية نشأة صحيحة، ولكنها سرعان ما سارت في الاتجاه المعاكس، وبدل اليهود الكتب المنزلة عليهم، فحرفوا أجزاء وكتموا أجزاء، فمسخ الله بعضهم قردة وخنازير، وضرب عليهم الذلة والمسكنة، وصار يبعث بين الحين والآخر من يسومهم سوء العذاب.
 
وأما الصهيونية فهي: حركة سياسية عنصرية، ترمي إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين – وقد تحقق لها ذلك – وتريد أن تحكم من خلال هذه الدولة العالم كله، واشتقت الصهيونية من اسم (جبل صهيون) في القدس، حيث ابتنى داود قصره بعد انتقاله من حبرون (الخليل) إلى بيت المقدس في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وهذا الاسم يرمز إلى مملكة داود، وإعادة تشييد الهيكل المزعوم.
 
وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمساوي (هرتزل) الذي يعنبر الداعية الأول للفكر الصهيوني الحديث والمعاصر، والذي تقوم على آرائه الحركة الصهيونية في العالم.
 
والعلاقة بين اليهودية والصهيونية عَلاقة ، لا يمكن انفصالها، فهما بمثابة عُمْلة واحدة لها وجهان‏، ‏والصهيونية كما علمت- نسبة إلى جبل (صهيون) الذي يقع في الجنوب من بيت المقدس، وقد اقتحمه داود اثناء ملكه، واستولى عليه من اليبوسيين الذين كانوا يسكنونه ، ‏‏وأخذ داود حصن صهيون‏ وأقام داود في الحصن، وسماه‏ (مدينة داود‏)‏، وأصبح صهيون مكانًا مقدسًا؛ لاعتقاد اليهود بأن الرب يسكن فيه، فقد ورد في المزامير‏: ‏‏”‏رنموا للرب الساكن في صهيون‏‏. ‏
 
وعلى هذا.. فالصهيونية تعمل على استقرارِ بني إسرائيل في فلسطين؛ أي: في جبل صهيون وما حوله، وهي كذلك تؤيِّد ذلك بالقول أو بالمساعدة المالية أو الأدبية‏، وبناء على ذلك‏ فالصهيوني هو اليهودي الذي يُؤثِر أن يعيش في فلسطين، وهو كذلك مَن يساعد اليهود ماديًّا أو أدبيًّا ليستوطنوا فلسطين‏، ويرى اليهود أن موسى عليه السلام كان أولَ قائد للصهيونية، وأول مَن شيَّد صرحها وثبت دعائمها؛ فهو الذي قاد بني إسرائيل ليدخل بهم فلسطين عقب خروجهم من مصر، ولم يدخل موسى عليه السلام أرض الميعاد، ولكن خلفاءه دخلوها، وهبَّت أعاصير ضدهم حين أقحموا أنفسهم في هذه البلاد، وأخرجوا منها عدة مرات، وفي كل مرة كان فريقٌ منهم يتطلع للعودة لأرض الهيكل وللحياة في صهيون، وهؤلاء هم الصهيونيون‏. ‏
 
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ردًّا على زعمهم‏: ‏{وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ..} [المائدة:18]، وقوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} [النساء:123]، وقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:111-112].
 
و ‏بناء على مجموعة المشاعر القومية الموجودة لدى الصهيونيين، والخاصة بإحساسهم بالاضطهاد من قِبَل كل العالم -والعالم العربي خاصة- فإنهم يعيشون في ترقُّب وحذر يجعلان من الضروري دخولهم في صراع شامل مع أعداء السامية في كل النواحي (السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والعسكرية‏.‏‏.‏‏. إلخ)، وهو ما يحدث الآن بالفعل، وهذا الصراع حتمًا لا بد من أن ينتهي بفناء مَن يقف أمام الصهيونية في زعمهم، بل يمكن أن يؤدِّي إلى فناء العالم لو ساعدت الظروف على ذلك، فإسرائيل هي التي ينبغي أن تستمرَّ، وما عداها لا بد أن ينتهي، وهذه الاعتقادات مظهرٌ هام لتعصُّبهم العنصري، ترتبط بغرورهم وشعورهم بالتميز والقوة أكثر من العالم، بشكل يصل إلى حد الضلالات؛ لأن الشعور بالتميز يرتبط إلى حد كبير بالشعور بالعظمة والتعالي والكبرياء‏ . ‏
 
والحق يقال‏: ‏إن العكس من هذا سيحدث -بإذن الله- مع تحقيق وعد الآخرة، وزوال دولة اليهود، وفناء اليهود أيضًا على يد عباد الله‏. ‏
 
والصلة بين الماسونية والصهيونية وطيدة، والعَلاقة بينهما حميمة، فقد تسلَّلت الصهيونية إلى الماسونية بجميع محافلِها التي تدار عن طريق التسلسل من قيادة يهودية لا يدخلها غير اليهود‏ وتحاول الصهيونيةُ الادِّعاء بأن اليهودية أولُ دينٍ أنزله الله على هذه الأرض، وأن ما عداه أديان باطلة، وأن هذه الأديان أوجدت الفُرْقة بين الشعوب، وأنهم بمجهوداتهم سيحطِّمون الأديان ويعيدون الناس إلى دينهم .
 
و إن المسألة اليهودية عبر التاريخ إنما هي وليدةُ الصراع بين اليهودية والمسيحية الغربية، ولم يكن للعرب والمسلمين شأنٌ في هذا الصراع‏، ولقد حاولتِ الصهيونية -منذ وقت بعيد- تذليلَ المسيحية لأهدافها، وذلك بالربط بين العهد القديم والعهد الجديد، واحتواء البروتستانتية وإخضاعها لمفاهيمها، وقد حملت الصهيونية التلمودية على المسيحية، وحاولتِ التشكيكَ فيها بهدفِ احتوائها والسيطرة عليها من ناحية أخرى، ولقد كان هدفُ الصهيونية التحررَ من القوانين التي فرضتْها المسيحية على المجتمع اليهودي داخل المجتمع المسيحي، وكانت الثورة الفرنسية -والثورات الأوربية المختلفة- عاملاً على إحلال القومية والوطنية محل الدين، وبذلك انهارتْ هذه القيود، وتمكَّن اليهود في المجتمع الغربي كله من الانطلاق والعمل في مختلف المجالات، واستطاعوا السيطرة على الأحزاب السياسية، وتوجيهها الوجهة التي تمكِّنهم من قيادة الأمم والدولة‏. ‏ وقد تمكنت الصهيونية من السيطرة على (التعليم، والصحافة، والثقافة، وأجهزة الإعلام الغربية) .
 
كانت تَهدِفُ الحركة الصهيونية للسيطرة على العالم الإسلامي بوصفه مسلمًا أولاً، وبوصفه ملتقى القارات وبه الطاقة والثروة، وكل ما تريده يهودية الرِّبَا في السيطرة عليه، وإن الظروف السياسية التي وجُدت -والتي صُنعت صنعًا- قد واتت على تحقيق الهدف في ظل ضعف العرب والمسلمين، وسقوطهم تحت سلطان الاستعمار الغربي أكثر من قرنين من الزمان‏. ‏ وليست الصهيونية إلا الصيغة الحديثة والعصرية للمطامع اليهودية في إقامة الدولة العالمية، مستخدمة كل الوسائل والأساليب، سواء منها الدينية والأسطورية، أو العلمية والعصرية؛ لتحقيق هدف التوسع والسيطرة والإِدَالَة من الإسلام وأهله، ولقد يبدو واضحًا في الحديث عن إطلاق (اسم ‏‏خيبر‏) على معركة 1967م، وغيرها من الأحداث والمحادثات، ما يدل على هذا المعنى الذي يرتكز في غزو ثقافي؛ لإحلال مفاهيم يهودية تلمودية محل المفاهيم القرآنية الإسلامية‏ ‏.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى