منوعات

قصة قصيرة بعنوان “حب عبر الأثير” للكاتبة دنيا حسين.

[contact-form][contact-field label=”الاسم” type=”name” required=”true” /][contact-field label=”البريد الإلكتروني” type=”email” required=”true” /][contact-field label=”الموقع” type=”url” /][contact-field label=”رسالة” type=”textarea” /][/contact-form]

 

جلست ياسمين كعادتها تتابع صفحتها الإلكترونية بملل شديد، فتلك هي متعتها الوحيدة بجانب سماع الموسيقي وقراءة الكتب التي تحبها وتعشقها كثيرًا، حيث تعتبر الكتاب صديقها الوحيد، والموسيقي هي كل حياتها.

ياسمين فتاة جميلة واسعة العينين يظهر على ملامحها البراءة في العشرون من عمرها، في كلية الهندسة، وهي الآن في عطلتها للعام الثاني لها، مثقفة بحكم قراءتها الكثيرة والمتعددة، من عائلة “محافظة” كما يقال في الأوساط الشعبية تلتزم بالعادات والتقاليد القديمة حيث لا خروج مع صديقاتها ولا عمل صداقات مع الشباب خوفًا عليها في المقام الأول. 

في الساعة الثالثة والنصف فجراً كانت تتابع الأخبار من خلال صفحتها الإلكترونية، انتظارًا لصلاة الفجر كما تفعل كل يوم، وأثناء تصفحها إذا بطلب صداقة مرسل إليها، فتحت إشعار طلب الصداقة كان مُرسل من شاب اسمه أحمد محمود.

كانت ياسمين لا تقبل طلبات الصداقة من الأشخاص الذين لا تعرفهم وخصوصاً الشباب؛ ولكن الفضول دفعها لفتح صفحة أحمد الشخصية والنظر إلي صورته وقراءة معلوماته الشخصية، وتصفح منشوراته. وأعجبها صورته ، وأخذت تبتسم وهي تشاهد منشوراته المثيرة للضحك ومنشوراته الدينية، والوطنية والتي تبين مدي حبه لوطنه.

أحمد محمود، شاب عريض المنكبين، مفتول العضلات، طويل القامة، في الثانية والثلاثين من عمره، صاحب أحد الصالات المشهورة لألعاب القوي والرياضة.

كانت ياسمين في حيرة هل تقبل الصداقة، أم لا كانت خائفة؛ لأنها لم تفعل ذلك من قبل وأن أهلها لو عرفوا قبولها للصداقة سوف يغضبون منها، ولكن قررت قبول الصداقة وأن تتخذ قرارها من نفسها مبررة أنها لن ترسل إليه أي رسالة، وأنه لن يضر من قبوله.

 وبالفعل قبلت الصداقة،وأثناء ذلك سمعت آذان الفجر فاتجهت للوضوء والصلاة وأخذت تقرأ بعض الصفحات من القرآن الكريم، ثم خلدت إلى النوم.

عند استيقاظها في الصباح ساعدت والدتها في أعمال المنزل، وكانت تفكر فيما فعلته ليلة البارحة أكان صائباً أم لا، ثم جلست مع أسرتها المكونة من والدها ووالدتها وأخيها الأكبر منها مازن لتناول طعام الغداء.

بعدها فتحت حاسوبها الخاص بها، وبدأت في تشغيل موسيقاها المفضلة لبيتهوفين، فكثيراً ما تعشق موسيقاه، وفتحت صفحتها الشخصية إذا برسالة مُرسلة إليها، أنها من أحمد الذي قبلت صداقته ليلة البارحة، ومكتوب في الرسالة “السلام عليكم”.

عندما رأت ياسمين الرسالة كانت ضربات قلبها تدق سريعاً، لا تدري ماذا تفعل؛ لكنها تشجعت وقررت أن تتحدث معه وبدأت في بالرد عليه، وحينها بدأ التعارف بين أحمد ياسمين، وأخذا يقتربا من بعضهما شيئاً فشيئاً.

 لقد محي أحمد الوحدة التي كانت تعيش فيها وعوضها عن كثير من الأشياء كان يستمع إليها ويهتم بها، واعترف بحبه لها، فشعرت بجمال الدنيا وبهجتها؛ ولكن الغريب في هذا التقارب أنه لم يطلب منها يوماً رقم هاتفها لسماع صوتها أو حتى صورتها، وهذا ما أسعد ياسمين؛ لأنها لا تتمني أن يأتي اليوم ويطلب منها ذلك، وبالتأكيد لن تفعل ذلك بحكم عاداتها وتقاليدها.

 وكان الأغرب من كل ذلك هو اختفائه عنه بدون أسباب؛ ولكن عندما يعود كان يعوض كل هذا الغياب بالاهتمام والحب والمودة.

لكن هذه المرة الغياب كان أطول كثيراً، ثلاثة أشهر لا تعرف عنه شيئاً، يبدو على ملامحها القلق والحزن، لم يكن معها رقم هاتفه لتطمئن عليه، فاعتقدت إنه ابتعد عنها، ولا يود الحديث معها مرةً آخري، أو أنه أنشئ حساباً آخر؛ ولن يظهر ثانيةً، وقررت النسيان معللة أنه مجرد رجل افتراضي لم تكن تعرف عنه الكثير. 

وفي أحد الأيام أثناء تصفحها لصفحتها الشخصية وجدت إشارة لأحد اصدقائه له في منشور، موجود فيها صورة أحمد في أحد الجرائد المشهورة نائم على سرير ويده اليسرى مبتورة بأحد المستشفيات وبجانبه القائد العام للقوات المسلحة وصديقه كاتباً تحت الصورة:

“حمدًا لله على سلامتك يا سيادة الرائد أمجد، نحمد الله على وجودك بيننا وبين زوجتك وأولادك أحمد ومحمود، داعين الله أن يتم شفاءك، لقد كنت اسداً في المعركة لم تستلم ابداً، رحم الله جنودك نحتسبهم عند الله شهداء”

كانت ياسمين جالسة أمام الحاسوب تحدث نفسها غير مستوعبة الأمر؛ لماذا كذب عليّ؟ من أمجد هذا؟! مستحيل أن يستهين بي إلى هذه الدرجة.

فتحت صفحة أحمد الشخصية أقصد أمجد، وبدأت شكوكها تتبدل إلى حقيقة أمجد رائداً بالجيش وقائد الكتيبة 319، أصيب ببتر في يده اليسرى في أحد اشتباكات في أحد العمليات الإرهابية الأخيرة، واستنتجت انه انشئ حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي بأسماء أولاده. أرسلت إليه رسالة أخيرة:

“لماذا اخفيت عني حقيقتك،لقد تعلقت بك كثيرا،واحببتك حقا”

جاءها الرد على رسالتها بعد أسبوعين من أرسالها له؛ قائلاً لها:”

لم أكن أقصد خداعك، أنا أحبتك بصدق، وتعلقت بكِ حقاً، ولكن مشكلتي مع زوجتي بسبب ابتعادي عنها بالأيام وأحيانا بالشهور غير مقدرة غير ظروف عملي، وكنت غير قادر علي الظهور بشخصيتي الحقيقة بسبب ظروف عملي، أطلب منكِ السماح والغفران.”

قررت ياسمين عدم الرد على الرسالة، وقلب هذه الصفحة ونسيانها؛ لأن

“ما بني علي افتراض ووهم يظل افتراضيًا للأبد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى