ترمب يواجه فوضى في كواليس الإدارة الأميركية المقبلة
متابعة / محمد نجم الدين وهبي
يشهد الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أجواءً متوترة تتخللها صراعات داخلية وقرارات مفاجئة تعكس نهجه غير التقليدي في إدارة شؤونه السياسية.
من مواجهات حادة بين كبار مستشاريه إلى توترات علنية على وسائل التواصل الاجتماعي، تعكس الأحداث الأخيرة في مارالاغو، حيث مقر إقامة ترمب، مزيجًا من الولاءات الشخصية والخلافات السياسية، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.
في هذا التقرير، تستعرض الصحيفة الأميركية أبرز التحديات والصراعات التي تواجه فريق ترمب الانتقالي، بدءًا من الخلافات الحادة بين مستشاريه البارزين، مثل بوريس إبسشتاين وإيلون ماسك، وصولًا إلى القرارات المثيرة للجدل بشأن التعيينات الوزارية، والتوترات التي انعكست على الساحة العامة.
فوضى في الكواليس
عندما وصل بوريس إبسشتاين، محامي ومستشار ترمب، مؤخرًا إلى اجتماع حول التعيينات الوزارية في منتجع مارالاغو، واجه عائقًا للدخول، إذ أخبره الرئيس المشارك لفريق الانتقال، هوارد لوتنيك، أمام الحضور «هذا ليس اجتماعًا يناسبك. نحن لا نتحدث عن المرشحين القانونيين اليوم»، وفقًا لشخص مطلع على الواقعة.
ورغم ذلك، رفض إبسشتاين التراجع، ودفع لوتنيك بساعده ليزيحه عن الطريق، بحسب ما أفاد به شخصان مطلعان على الحادثة، التي أعاد لوتنيك روايتها لاحقًا. وقال إبسشتاين «سأدخل»، وفقًا لما ذكره أحد المصادر.
وصف شخص ثالث الواقعة بأنها مجرد مرور من جانب إبسشتاين إلى داخل الاجتماع، بينما قال مصدر مقرب من كلا الرجلين إنهما «يعملان معًا بشكل وثيق لمساعدة الرئيس ترمب في تشكيل أعظم إدارة في تاريخ الولايات المتحدة». وامتنع كل من إبسشتاين ولوتنيك عن التعليق.
في أي انتقال رئاسي آخر، كان من الممكن أن تكون مواجهة كهذه وانهيار في اللباقة بين اثنين من كبار مستشاري الرئيس المنتخب أمرًا مثيرًا للجدل.
لكن في دائرة ترمب غير التقليدية، تم نسيان الحادثة بسرعة مع عودة فريقه إلى الأنماط التي ميزت فترة ولايته الأولى، التي حيث تضمنت اجتماعات صاخبة، وطرد أشخاص من الغرف، وتبادل الإهانات، إلى جانب الاحتفالات العامة المثيرة للجدل. وكما في الولاية الأولى، بدأت الفصائل المتنافسة بالتعدي على بعضها البعض، مما أدى أحيانًا إلى إثارة الفوضى.
هذه الصورة لفريق ترمب الناشئ، الذي يضم متنافسين فيما بينهم، تأتي بناءً على مقابلات مع أكثر من 6 أشخاص من المساعدين والمستشارين والمقربين وغيرهم ممن شاركوا في عملية الانتقال، حيث تحدث العديد منهم بشرط عدم الكشف عن هويتهم لتقديم تقييم صريح.
مواجهات بين كبار الشخصيات
إيلون ماسك، الذي تبنى لقب «الصديق الأول» على شبكته الاجتماعية إكس، دخل في مناقشة متوترة مؤخرًا مع إبسشتاين في مارالاغو، حسبما أفادت مصادر مطلعة، شعر الملياردير ورئيس شركتي «سبيس إكس» و«تسلا»، والذي اختاره ترمب لقيادة «وزارة الكفاءة الحكومية»، بالإحباط من تأثير إبسشتاين المفرط في التعيينات، واعتقاده بأنه يسرب معلومات للصحافة.
وبلغت التوترات ذروتها الأسبوع الماضي على شرفة منتجع مارالاغو، حيث وقعت مواجهة حادة وصفها أحد الشهود بأنها «مشادة كبيرة». وقد ارتفعت الأصوات بين الرجلين عندما اتهم ماسك إبسشتاين بالقيام بتسريبات، ليرد الأخير: «لا أعرف عما تتحدث. لم أفعل شيئًا خاطئًا».
كما اضطرت سوزي وايلز، رئيسة موظفي الإدارة القادمة، إلى التدخل لتنظيم الاجتماعات، حيث طلبت من بعض الأشخاص مغادرة الغرفة عندما لا يكونون مرحبًا بهم.
أثار ماسك استياء بعض الأشخاص داخل فريق ترمب بسبب وجوده المستمر حوله، ما جعله يوصف بأنه ضيف يطيل الإقامة أكثر من اللازم. ورغم الانتقادات، يحتفظ ماسك بدعم الرئيس المنتخب، الذي سافر الثلاثاء إلى تكساس ليشاركه إطلاق صاروخ «ستارشيب» من شركة «سبيس إكس».
وحتى نائب الرئيس المنتخب، جي دي فانس، لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع لانتقاد أحد مساعدي ستيفن بانون، مستشار ترمب البارز، واصفًا إياها بأنها «حمقاء تتنفس من فمها»، بسبب انتقادها لقراره العمل مع ترمب بدلاً من حضور جلسات التصويت في مجلس الشيوخ.
ما دفع تشونغ للرد على منصة إكس، بالقول «ينبغي عليكم الحضور للقيام بعملكم البسيط!» في إشارة إلى فانس والسيناتور ماركو روبيو، الذي اختاره ترمب لمنصب وزير الخارجية.
لاحقا، حذف كل من فانس وتشونغ منشوراتهما لاحقًا، لكن تشونغ عدّلت ملفها الشخصي ليحتوي الآن على العبارة: «حمقاء تتنفس من فمها».
مراكز قوة جديدة
تغيرت مراكز القوة التي كانت تهيمن على فترة ترمب الأولى، إذ اختار ابنته إيفانكا ترمب وزوجها غاريد كوشنر الابتعاد. كذلك، من غير المتوقع أن تعود كيليان كونواي، مديرة حملته لعام 2016 ومستشارة البيت الأبيض، للإدارة. أما بانون، المستشار السابق في البيت الأبيض، فيعمل الآن عن بُعد.
في المقابل، تشكلت معسكرات جديدة، مع إشارات قليلة تدل على أن ترمب يرى النزاعات مشكلة في هذه المرحلة. ومع ذلك، لم يصف أحد ممن تم مقابلتهم الفصائل الحالية بأنها بنفس حجم أو شراسة تلك التي كانت خلال انتقال عام 2016 أو الأيام الأولى لترمب في البيت الأبيض خلال فترته الأولى.
كما أن ترمب اختار أعضاء حكومته بسرعة، حيث عين معظم المناصب العليا قبل أيام من عيد الشكر. ورغم أن بعض هذه الاختيارات قد تواجه تحديات في تأكيدها داخل مجلس الشيوخ، فقد لاقت العديد منها إشادة واسعة من الجمهوريين.
وقال أحد المشاركين في المناقشات «الرئيس يحب عندما يتجادل الناس مع بعضهم البعض، لأن ذلك غالبًا ما يؤدي إلى الوصول إلى الأشخاص المناسبين».
فيما قلَل مسؤول في فريق الانتقال من أهمية أي توترات، وقال ستيفن تشيونغ في بيان «الرئيس ترمب لديه فريق انتقالي مكرس يضم وطنيين ملتزمين بخدمة الرئيس ومساعدته في تشكيل إدارته الجديدة»، مضيفا «الرئيس ترمب فاز في انتخابات تاريخية بفارق حاسم وسيقوم بتشكيل فريق يضمن تمثيل إرادة الشعب الأميركي».
معركة التعيينات: فضائح وتوترات
يواجه بيت هيغسيث، المذيع السابق لبرنامج «فوكس آند فريندز» الصباحي في عطلة نهاية الأسبوع والمرشح الذي اختاره ترمب لقيادة وزارة الدفاع، عملية تأكيد صعبة عقب تقارير تفيد بأن الشرطة حققت في مزاعم بأنه اعتدى جنسيًا على امرأة في فندق خلال مؤتمر جمهوري في كاليفورنيا عام 2017. نفى هيغسيث هذه الادعاءات، مؤكدًا أن الحادثة كانت برضى الطرفين.
وفي الوقت نفسه، انسحب مات غايتز، الذي كان اختيار ترمب الأول لمنصب المدعي العام، بعد اتهامه بدفع أموال مقابل ممارسة الجنس وحضور حفلات تعاطي المخدرات، بما في ذلك إقامة علاقة مع فتاة تبلغ من العمر 17 عامًا. غايتز أنكر تلك الادعاءات، لكنه أعلن يوم الخميس انسحابه، قائلاً إنه أصبح مصدر إلهاء.
مجموعات متنافسة
شهدت المرحلة الانتقالية سلسلة من الأحداث الاحتفالية والاجتماعات العملية، مع ظهور تكتلات واضحة بين أعضاء الفريق. تصدر إحدى هذه المجموعات، بشكل غير رسمي، نجل ترمب الأكبر، دونالد ترمب الابن، وتضم جي دي فانس إلى جانب شخصيات بارزة من مؤيدي ترمب مثل المذيع السابق في قناة «فوكس نيوز» تاكر كارلسون والمسؤول السابق في إدارة ترمب كليف سيمز.
تتكون مجموعة أخرى بقيادة سوزي وايلز، رئيسة موظفي حملة ترمب، من فريق من المساعدين الملتزمين والمنظمين، بما في ذلك جيمس بلير، مدير الحملة السياسية لترمب لعام 2024، ونائبيه تايلور بودوفيتش وروبرت غابرييل، وفريق الاتصالات.
وصف أحد المطلعين على الديناميكيات داخل الفريق هذه المجموعات بأنها «صديقتان سياسيتان» متوافقتان تمامًا في دعمهما لترمب وأجندته.
تشمل مجموعة ثالثة شخصيات مرتبطة بمعهد «سياسة أمريكا أولاً»، ومن بينهم رئيسة المعهد بروك رولينز، والرئيسة المشاركة لفريق الانتقال ليندا ماكماهون، التي أعلن ترمب يوم الثلاثاء اختيارها لمنصب وزيرة التعليم، وكييث كيلوغ، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس السابق مايك بنس.
وعلى الرغم من أن هذه المجموعة كانت بمثابة «حكومة في الانتظار» خلال الحملة الانتخابية، ونظمت حدثًا في نادي ترمب الأسبوع الماضي، إلا أن العديد من المراقبين تفاجأوا بضعف تأثيرها في الأسابيع الأولى من المرحلة الانتقالية.
يضم فريق ترمب أيضًا عددًا من الفاعلين المستقلين الذين يعتمد نفوذهم على علاقاتهم الشخصية مع ترمب. بوريس إبسشتاين، المستشار المخضرم الذي لعب دورًا منسقًا في جهود الدفاع الجنائي عن ترمب خلال السنوات الأخيرة، أثار استياء عدد من مستشاري ترمب عندما حث الرئيس، خلال رحلة جوية إلى واشنطن الأسبوع الماضي، على اختيار غايتز لمنصب المدعي العام.