دينمقالات

البصيرة نور يقذفه الله في قلوب عباده الصالحين

بقلم… نور السيد سليط

يحزن الإنسان كثيراً عندما يفقد بصره أي حاسة الرؤية ويدفع الأموال الطائلة للحفاظ عليه ما إن مرض أو أصابه سوء، ولكنني ما يحزنني حقا وأقولها بكل أسف أنني قد رأيت الكثيرين لا يدرون شيئاً عن بصائرهم، لا يلتفتون إليها ولا يعلمون من أمرها أي خبر على الرغم من أنها وتالله بقائها بخير ( أعني هنا بقاء البصيرة) أهم وأولى من حاسة النظر.

إذ تحدثنا بالمفهوم الديني القويم عن فقدها أي فقد نور القلب، فإنه لأخطر بكثير على العباد من فقد البصر، وهنا تفكروا يا أولي الألباب في قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [ الحج: 46]

وقد يتسائل البعض ما هي البصيرة؟ ولما نقرنها بالبصر؟ وهنا سنحاول توضيح لكم بعض النقاط التي إن شاء الله تكون دليلاً لكم لأن تتفقدوا بصائركم وأن تعالجوها ما إن أصابها سقم.

ما هو الفرق بين البصر والبصيرة؟
١_ البصر :
البصر هو حاسة الرؤية، ويقال هو حس العين، يقال أبصرت الشيء أي رأيته ويقال رجل بصير أي مبصرا يرى بعينه خلاف الضرير
قال تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ} [ النجم: 17 ] قال ابن عباس : أي ما عدل يمينا ولا شمالا ، ولا تجاوز الحد الذي رأى

٢_ البصيرة:
البصيرة معناها اليقين والحجة والبيان، يقال أن معناها الفطنة، كما أن من الأقوال في معناها أنها اسم لما اعتقد في القلب من الدين.
والبصيرة هي عين القلب كما أن البصر عين الرأس فإن البصيرة هي عين القلب، تكون قوية بنور القرآن، بنور ذكر الله، نور الصفاء والرحمة وكلما ازداد القلب إيمانا كلما ازدادت البصيرة توهجا ونورا

وقد تحدث العلامة ابن القيم الجوزيه عن البصيرة قائلا: «هي نور يقذفه الله في القلب، يفرق به بين الحق والباطل، والصادق والكاذب» وفي تعريف آخر له يقول: «هي نور يقذفه الله في قلب، يرى به حقيقة ما أخبرت به الرسل كأنه يشاهده رأي عين، فيتحقق مع ذلك انتفاعه بما دعت إليه الرسل وتضرره بمخالفتهم، وهذا معنى قول بعض العارفين: (البصيرة تحقق الانتفاع بالشيء والتضرر به)»

واعلم أخي المسلم وأنت أخيتي المسلمة أن من عظيم أمر البصيرة ومن أثرها الإيجابي الرائع على المؤمن أنها تصيب توقعات المؤمن دائما فهو يرى أسرار الأشياء، يرى بواطن الأشياء تجده لا يحتار في أمره وإن أصابته الحيرة فلا تمكث إلا قليلا؛ فالإنسان إذا أطاع الله وأقام على دين الله كانت البصيرة قوية، أما العاصي الذي يرتكب الكبائر ويبارز الله بالمعاصي القلب عنده يصبح رانا فلا يستطيع وقتها التمييز بين الخير والشر ولا يرى بواطن وحقائق الأشياء، لا يرى إلا بعينه وكم هو سيء جدا أن يكون نصيب العبد فقط أن يرى بعينيه.

البصيرة من صفات الانبياء نحتاج إليها كثيرا في أمور حياتنا فالداعية يحتاج إليها لمعرفة حال المدعوين وظروفهم وأي أسلوب من أساليب الدعوة يجب أن يتبنى ليصل إلى قلب من أمامه فيكون مؤثرا ومجديا كما أنه يحتاج إليها أيضا ليعرف علاما يجب أن يدعو الناس إليه.
يحتاج المسلم البصيرة في وقت الفتن، قال حذيفة: لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل فلم تدري أيهما تتبع فتلك الفتنة.

ما هي الصفات التي يحبها الله وتقوى بها بصيرتك؟
ومن الأشياء التي تكتسب بها البصيرة، أن تدعو الله أن ينيير بصيرتك وأن يمن عليك بتلك النعمة فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل في قلبي نورا

_ تقوى الله
من الأشياء التي تستجلب بها البصيرة تقوى الله، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [ الأنفال: 29]

_ العفة
من الأشياء التي تستجلب بها البصيرة هي صون البصر عن الحرام فمن أطلق بصره عميت بصيرته ومن غض بصره أضاء الله له بصيرته.
يقول ابن القيم الجوزيه: الجزاء من جنس العمل فمن غض بصره عما حرم الله عليه أطلق الله نور بصيرته وقلبه.و

لذلك كونوا حريصين على ألا تطفئوا نور الله في قلوبكم بظلمة المعاصي؛ فالمعاصي ماحقة البركات والطاعة سببا في كثرة الرزق وسبيل للعيش بسلام نفسي، أن نشعر بالراحة والإطمئنان والسكينة هذا ما نريده وهو ما تورثه الطاعة في قلوبنا، قال ابن تيمية: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة
فجنة الدنيا هي الإيمان بالله والإقبال عليه ومحبته والرضا بقدره، وغير ذلك من شعب الإيمان، وهذا هو مقصود ابن تيمية -رحمه الله- من هذه الجملة.
قال ابن القيم في الوابل الصيب: والإقبال على الله تعالى، والإنابة إليه، والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته

جميلة هي الحياة إذا عشناها لله، لك الحمد يا سند الضعفاء الذي لا يميل يا حق يا كريم يا غفور يا رحيم، نذنب ليل نهار وما أن نصدق التوبة والإستغفار تمحو عنا سوء ما عصينا فالحمد لله على نعمك التي لا تحصى يا الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى